سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات الاديبة مريم مشتاوي الاسبوعية بالقدس العربي

26/01/2022 - 05:44:22 pm
بعد انفجار عكار «خلص الحكي» في لبنان… و«أولمبياد الخيام» يتوج ضحايا الحرب في سوريا
مريم مشتاوي /القدس العربي

 

تبدو خطى هذا الشهر دامية فوق الأراضي اللبنانية. كان أجدادنا يرددون أمثالهم الشعبية لوصف الشهور. وكان لآب مثله المعروف جداً بين أهالي الضيع.

أذكر مثلاً كانت تردده جدتي في شهر آب/أغسطس وهي تفتخر ببيتها القديم، بيت العقد الذي يمنح سكانه شيئاً من البرودة.

كانت تقول لولا برودة الدار لما احتملنا حرارة الطقس. إنه «آب اللهاب يحرق المسمار بالباب» لكن آب زاد لهيبه في السنتين الأخيرتين ولم تعد تنفع معه البرودة التي يمنحها حجر البيوت القديمة ولا حتى برودة المكيفات الحديثة.

بات يأتي بحرائق تلهب القلوب تدميها وتلفظها سواداً في سواد.

في الرابع من آب/أغسطس سنة 2020 انفجر قلب العاصمة بيروت. احترق قلب الوطن وقتل حوالي 218 شخصاً وجرح حوالي 6 آلاف آخرين. عدا الأضرار النفسية التي لحقت بسكان لبنان وأهلهم وأصدقائهم حول العالم.

كارثة كبرى لم نستيقظ منها بعد ليأتي آب جديد يحمل في جعبته حريقاً آخر قضى على آخر نفس في الحياة. نحتاج أعماراً أخرى حتى تخمد نيرانه الملتهبة في ذاكرتنا الجماعية.

لقد صدمنا منذ أيام بخبر انفجار صهريج وقود في بلدة «التليل» في عكار الشمالية.

انفجار قضى على اللبنانيين جميعاً، ليس فقط على عشرين شخص استشهدوا في ذلك الحادث أو على الثمانين الذين جرحوا.

من قضوا في الحادث ذهبوا إلى رحمة ربهم. ولكن سكان لبنان يتنفسون بإذن من سلطة آثمة أو من شلة من الفاسدين والمتآمرين القتلة.

اللبنانيون اليوم ليسوا على قيد الحياة وإنما على قيد الذل والقهر والعذاب.

يقفون في طوابير طويلة للحصول على رغيف خبز ملوث بالإهانة. يموتون بالعشرات بسبب تنكة بنزين. يودعون بعضهم البعض حين يمرضون، لأن الأدوية مفقودة. يعيشون في ظلمة قاتمة. قال والد أحد ضحايا انفجار عكار: «ضيّعت ابني وصرت نبّش بالجثث. لقيت جثة كتير محروقة. مسحت شوي الشحبار عن وجو. عرفتو من عيونو…»!

وقال آخر: «شو بدي قول لولادي. بدي قلهم إخواتكم ماتوا كرمال البنزين»؟!

بين انفجار المرفأ وانفجار عكار سلطة فاسدة متهمة ومسؤولة عن كل قطرة دماء. عن كل دمعة أم حارقة.

لكن لن نصل إلى العدالة حتى ترفع الحصانات.

للمرة الأولى أكتب زاويتي وأنا أشعر باللاجدوى. ما نفع الكتابة؟ ما نفع الصراخ؟ ما نفع اللغة؟

محكوم علينا بالموت تدريجياً. لا أمل لدينا. لقد ضاع لبنان.

ربما أكثر ما يعبر عن حالنا هو ما كتبه الروائي اللبناني الياس خوري على صفحته الفيسبوكيّة:

«خلص الحكي… حذرني رجل كهل من أمر واحد «إياك يا ابني أن تشتبك كلامياً مع عاهرة».

«لماذا»؟ سألته. «لأنها تمتلك مخزونا لا ينضب من الشتائم». «اذا شتمتني اشتمها» قلت.

«أنت ساذج» قال «إن أفظع شتيمة هو أن تقول لها إنها عاهرة، وهذه بالنسبة لها ليست شتيمة، لأنها مهنتها».

قال الرجل: «أنت لا تستطيع شتمها، أما هي فقادرة على أن تبهدلك، لأن الشتائم لا تؤثر فيها، فتخرج من المواحهة خاسرا».

«ماذا أفعل اذا»؟ سألت. «إذا عضّك الكلب، هل تعضّه»؟ قال. «ما هذا السؤال» قلت «طبعا لا، فأنا لست كلبا».

«ممتاز» قال. «إياك أن تسقط في لغة عدوك».

تذكرت كلام الرجل العجوز وأنا أستمع إلى تصريح ميشال عون حول كارثة صهريج البنزين في عكار. فالبطريرك في خريفه اللبناني يريدنا أن نصدّق بأن هذا النظام ليس قاتلا، الذنب ذنبنا لأننا أصوليون وتكفيريون والى آخره.

بماذا تجيب من يحمي تياره المهرّب، الذي كان يخزّن البنزين في القرية الضحية؟

خلص الحكي».

نعم خلص الحكي!

 

أطفال ضحايا الحروب

 

أسدل الستار مؤخراً، على فعاليات دورة الألعاب الأولمبية «طوكيو 2020» التى أقيمت في العاصمة اليابانية خلال الفترة من 23 يوليو/ حزيران وحتى 8 آب/ أغسطس الجاري.

وذلك في نسخة استثنائية للأولمبياد تم تأجيلها لمدة عام كامل بسبب فيروس كورونا. حقق العرب خلالها نتائج ملفتة تكللت بـ 5 ميداليات ذهبية. قطر (2) ومصر (1) وتونس (1) والمغرب (1). لكن أكثر ما لفت الانتباه هو حضور العرب في فريق اللاجئين الأولمبي، حيث اختير 29 رياضياً لتمثيل فريق اللاجئين في طوكيو من أصل 56 تمتعوا بمنح من اللجنة الأولمبية الدولية على أساس الأداء والتخصصات وبلدان المنشأ والجندر. ومن بين الفائزين المحظوظين، تسعة من سوريا، وخمسة من إيران، وأربعة من جنوب السودان، وثلاثة من أفغانستان، واثنان من إريتريا، بالإضافة إلى لاجئ واحد لكل من الكاميرون والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية والعراق والسودان وفنزويلا.

وعلى مسافة آلاف الكيلومترات من طوكيو، تبارى الأطفال السوريون على رمي الرمح واجتازوا الحواجز العالية وركضوا في سباقاتهم القصيرة إلى جانب الخيام. وقد نشر موقع تلفزيون سوريا تقريرا عن الأولمبياد الذي جمع 120 طفلاً يأوون في 12 مخيماً منتشرة في محيط مدينة إدلب للتنافس ضمن فعاليات «أولمبياد الخيام» الذي تنظمه منظمة سورية غير حكومية.

تراوحت أعمار الأطفال المتسابقين، حسب التقرير التلفزيوني بين 8 أعوام و14 عاماً، يرتدون «المراييل» بألوان مخيمهم وقد توزعوا بين منافسات مختلفة (رمي الرمح والأقراص، الوثب العالي، فنون الدفاع عن النفس، الجمباز، كرة الريشة، الجري) فضلاً عن سباق خيول يحملون بين أيديهم مجسماتها الكرتونية. ورُسمت خطوط ملعب كرة القدم بتكسير الطباشير الأبيض فوق التراب المحيط بالخيم، وعلى مقربة منه مضمار جري مستطيل تملؤه الحواجز.

رمح يدور في الهواء وجسد مراهق طائر يلمس عارضة الوثب العالي وآخر يخفق في قفزة منافسات الجمباز. لكن التوق لقضاء الوقت الممتع ساد الأجواء، حيث يقول وليد محمد الحسن (12 عاماً) «فرحنا كثيراً.. لعبت في القفز وفزت بالمركز الثاني».

وكان ولدان يرتديان زيّ الكاراتيه ويشير الحزامان الملتفان حول خصريهما إلى أنّ النزال مخصص لـ»فئة البرتقالي» يرفع كل منهما قدمه في وجه الآخر في حركات يراد لها أن تكون مباغتة، ويقفزان في الهواء، حيث تضيع لكماتهما بين الحين والآخر.

في ختام المنافسات أعلن المنظمون أسماء الفائزين الذين صعدوا إلى منصة التتويج لنيل ميدالياتهم وسط تصفيق الجمهور وهتافاته.

وقد نقلت وكالة «فرانس برس» عن إبراهيم سرميني – منسق البطولة – أن الهدف من الفعاليات هو «إكساب الأطفال مهارات رياضية في أنواع من الألعاب التي لم نحاول أن نتعلمها في مجتمعنا. والهدف الرئيس هو تسليط الضوء على سكان المخيمات الأطفال والبالغين الذين يعيشون حياة صعبة جداً».

وأضاف: «أمر محزن أن نرى شباناً سوريين يشاركون في أولمبياد طوكيو 2020 تحت مسمى اللاجئين، ولكنه أمر جيد أن يمثّل أبطال أحرار حقيقيون الشعب الموجود هنا في شمال غربي سوريا».

وكما هو معلوم تستضيف محافظة إدلب نحو ثلاثة ملايين نازح يعيش أكثر من نصفهم في مخيمات عشوائية في ظل ظروف شديدة الصعوبة. وهم يعوّلون على المساعدات الإنسانية ومساهمات المنظمات غير الحكومية لتلبية حاجاتهم.

وهنا يتساءل المرء عن الإمكانات الإنسانية والرياضية الهائلة المهدورة بين مخيمات اللاجئين وبين دول اللجوء الأوروبية لتخسرها الدول العربية، خصوصاً سوريا، البلد التي شهدت 10 أعوام من الحرب راح ضحيتها ما يقارب نصف مليون قتيل وأكثر من 10 مليون لاجىء.

هل كان على السوريين أن يمضوا كل هذه الفترة في المخيمات لتكون لهم قضية؟ ألا يستحق هؤلاء الرياضيون والأطفال أن ينعموا بقليل من السلام؟ ألا تستحق شعوب المنطقة العربية القليل من السلام لتفجر طاقاتها الابداعية والرياضية وتمثل أوطانها في المحافل الدولية؟

هذه الأسئلة وغيرها مفتوحة على المجهول في زمن غيب فيه الاستبداد كل أمل ممكن.


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
«أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب... «أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب... طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى... طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى... في لبنان: البؤس برعاية رسميّة … ورياضيّ جزائريّ يدفع... في لبنان: البؤس برعاية رسميّة … ورياضيّ جزائريّ يدفع... مصر: أحكام تمييزية ضد فتيات «تيك توك»… ولاجئ سوري يدعو... مصر: أحكام تمييزية ضد فتيات «تيك توك»… ولاجئ سوري يدعو... طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون... طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com